کد مطلب:58443 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:302

بین إعلام الوری وربیع الشیعة











من یتأمل فی متنی كتابنا هذا ـ إعلام الوری ـ وربیع الشیعة المنسوب للسید ابن طاووس رحمه الله یجد توافقاً غریباً، وتطابقاً عجیباً بین الاثنین، سواء فی ترتیب الاَركان والاَبواب والفصول، أو فی المواضیع التی تناولتها هذه التقسیمات، باستثناء بعض الاختصارات المحدودة، والاختلاف فی خطبة الكتاب، وهذا ممّا أثار استغراب قرّاء الكتابین وتعجبهم، ودفعهم للتفحُّص بدقة وعنایة فی علّة هذا التوافق ومصدره، وهل ان هذین الاسمین لكتابین

[صفحه 23]

مختلفین ومؤلّفین اثنین؟ أم هناك التباس دفع لهذه الشبهة وان العنوانین هما لكتاب واحد، ولمؤلّف واحد؟ أو لعل احدی هاتین التسمیتین مضافة قهراً أو سهواً علی هذا الكتاب، وبالشكل الذی قد یدفع البعض للاعتقاد باثنینیتهما؟

نعم، ان هذا الامر وان شكّل فی أول وهلة حیرة عند الفضلاء والعلماء، إلاّ أنّ البعض منهم لم یلبث أن قطع بعد الفحص والتأمُّل بان هذین الاَصلین یعودان ـ بلا أدنی شك ـ لكتاب واحد، لاتحادهما الشامل، وتوافقهما الكبیر كما ذكرنا آنفاً.

ولمّا كانت نسبة كتاب إعلام الوری للشیخ الطبرسی رحمه الله مقطوعاً بها، وثابتة بشكل لا یرقی الیه الشك، فان هذا الشك كان منصباً ومتوجهاً نحو الكتاب الآخرـ إن تنازلنا وقلنا بعدم وحدتهما ـ وصحة نسبته للسیّد ابن طاووس رحمه الله وهو الاَمر الذی لا یعسر علی باحث ومتمرّس فی عمله القطع بعدم صواب هذه النسبة وابطال شبهتها.

ولا غرو فی ذلك، فان التحقٍّق فی مدی نسبة كتاب ربیع الشیعة للسیّد ابن طاووس رحمه الله تظهر بجلاء وهن وضعف هذه النسبة التی لم یُثار إلاّ من خلال ما وجد علی بعض نسخه التی تشیر إلی انه من تصانیف السیّدعلی بن طاووس فحسب، وهذا الاَمر عند اخضاعه للبحث والتمحیص نجده لا یقف قطعاً أمام القرائن والدلائل المتعددة النافیة لهذه النسبة، وهذه التسمیة.

ولعلّ من تلك القرائن ـ كما ذكر ذلك الشیخ آقا بزرك الطهرانی رحمه الله ـ ان الممارس لبیانات السید ابن طاووس لا یرتاب فی أن ربیع الشیعة لیس

[صفحه 24]

له، والمراجع له لا یشك فی اتحاده مع إعلام الوری[1] .

نعم فان للسید ابن طاووس اسلوباً معلوماً ومنهجاً واضحاً فی كتبه ومؤلفاته تجعل من نسبة هذا الكتاب الیه غریبة وشاذة، بل وغیر معهودة لما عرف عنه، وتعاهد علیه الجمیع.

ثم ان من تعرّض لجرد مؤلّفاته وكتبه رحمه الله لم یذهب الی نسبة هذا الكتاب الیه، وكذا معظم من ترجم له، إلاّ فی حالات متشككّة ومتردّدة، وفی هذا الاَمر ما یضعف أیضاً نسبة الكتاب الیه.

بل ولعل ممّا یقطع بانتفاء هذه النسبة من جانب، وكون النسختین لكتابین مستقلین من جانب آخر، مسألة التطابق بین النسختین بالشكل الذی یدفع القاریء للقول بان ما یقرأه كتاب واحد فحسب، حیث لا یمكن بأی حال من الاحوال أن یتفق مؤلّفان فی كتابین مستقلّین علی جمیع مواد كتابیهما، وتفاصیل بحوثهما وأخبارهما ألاّ اذا عمد اللاحق الی استنساخ ما كتبه السابق ثم قیامه بنسبة ما استنسخه الیه، وهذا الفعل السیء لا یمكن بأی حال من الاحوال نسبته للسیّد ابن طاووس رحمه الله لانه محض وهم وافتراء لا یلیق توجیهه لعلم من أعلام الطائفة الكبار له الكثیر من المؤلفات القیمة التی كانت وما زالت تزدان بها المكتبة الاسلامیة العامرة، فهذا الاَمر مستحیل الوقوع، ومردود الافتراض[2] .

ومن هنا فقد كان لهذا التطابق الغریب بین هاتین النسختین الاثر

[صفحه 25]

الكبیر فی كیفیة التعامل معهما، فاُخذ من الاول ـ أی الاعلام ـ واعتمد علیه دون الثانی، للقطع الحاصل بصحة انتساب الاول الی مؤلفه خلاف ما هو الثانی.

وهذا الاَمر هو الذی دفع العلاّمة المجلسی رحمه الله الی التوقُّف عن نقل أی مورد عن ما یُعرف بكتاب ربیع الشیعة، قال: وتركنا منهاـ أی من كتب ابن طاووس ـ كتاب ربیع الشیعة لموافقته لكتاب إعلام الوری فی جمیع الاَبواب والترتیب، وهذا ممّا یقضی منه العجب[3] .

ثم ان عین الحیرة هی التی أصابت الشیخ الكاظمی فی تكملته، حیث قال: وقد وقفت علی إعلام الوری للطبرسی، وربیع الشیعة لابن طاووس، وتتبعتهما من أولهما الی آخرهما، فوجدتهما واحداً من غیر زیادة ونقصان، ولا تقدیم ولا تأخیر أبداً، إلاّ الخطبة[4] .

اذن ما الذی أوقع هذا الالتباس والحیرة فی نسبة هذا الكتاب الی علمین كبیرین من أعلام الطائفة لكلِّ واحد منهما مؤلَّفاته وكتبه العدیدة التی طبق صیتها الآفاق، وتناقلتها الاَیدی من مكان الی مكان، وكثر النقل عنها والرجوع من قبل الكتّاب والباحثین والمؤلِّفین؟

والمستقریء فی مجمل هذه الشواهد والقرائن یقطع ـ بعد تسلیمه بان نسبة هذا الكتاب الی السید ابن طاووس وبهذه التسمیة باطلة وساقطة ـ بان

[صفحه 26]

للنسّاخ الدور الاكبر فی حصول هذا الامر ووقوعه، والی هذا الامر ذهب الشیخ الطهرانی فی ذریعته، حیث قال بعد نفیه نسبة الكتاب الی السید ابن طاووس: وقد احتمل بعض المشایخ كون منشأ هذه الشبهة ان السید ابن طاووس حین شرع فی أن یقرأ علی السامعین كتاب إعلام الوری هذا حمد الله تعالی وأثنی علیه، وصلّی علی النبی وآله صلوات الله علیهم علی ما هو دیدنه، ثم مدح الكتاب وأثنی علیه بقوله: ان هذا الكتاب ربیع الشیعة، والسامع كتب علی ما هو دیدنه هكذا: یقول الامام ـ وذكر ألقابه واسمه الی قوله ـ ان هذا الكتاب ربیع الشیعة. ثم كتب كل ما سمعه من الكتاب الی آخره، فظن من رأی النسخة بعد ذلك أن ربیع الشیعة اسمه، وأن مؤلّفه هو السید ابن طاووس[5] .

أو غیر ذلك من الوجوه المحتملة فی وقوع هذا الالتباس دون علم السید ابن طاووس به كما هو مقطوع به.

والخلاصة: ان ما یذكر من وجود كتاب للسید علی بن طاووس یعرف بربیع الشیعة محض وهم واشتباه لا یؤبه به، وان الاصل فی ذلك هو كتاب إعلام الوری للشیخ أبی علی الفضل بن الحسن الطبرسی فحسب، وعلی ذلك توافق الدارسون والباحثون.



صفحه 23، 24، 25، 26.





    1. الذریعة 2: 241.
    2. ان المنطق والبدیهیة ترفض وقوع مثل هذا الامر، كما ان أی افتراض آخر یذهب الی اثنینیة هذا الكتاب باطل قطعاً، لا سیما وان الطبرسی وابن طاووس من أعلام الطائفة وجهابذتها، ولا یمكن بأی حال من الاحوال ان یقع فیما بینهما هذا التداخل المردود، فلاحظ وتأمل.
    3. بحار الاَنوار 1: 31.
    4. تكملة الرجال 1: 11.

      بید أن الشیخ الكاظمی لم یفطن لعلة هذا التوافق وسببه، ولم تنقضحیرته من ذلك الاّ عند مطالعته لما كتبه العلاّمة المجلسی فی بحاره، ولكن ماذهب الیه كان خلاف الواقع الذی أشرنا الیه، وحیث ذهب رحمه الله الی تعددهما، فراجع.

    5. الذریعة 2: 241 و 957. كما ان العلاّمة النوری قد وافق فی رأیه الشیخ الطهرانی، وأورد فی تفسیر ذلك شرحاً مستفیضاً فی خاتمة لمستدرك الوسائل، فلیراجع الیها من طلب المزید من البحث التفصیل.